أوراق تحليلية

دوافع التنافس الدولي في إفريقيا

عبد الله راعى

كاتب وأديب صومالي باحث في مركز الصومال للدراسات
Print Friendly, PDF & Email

يبدو الموقع الجغرافي الاستراتيجي للقارة الإفريقية عاملًا أساسيًّا مُفسِّرًا للتنافس الدولي بين القوى الكبرى والقوى الصاعدة، فإفريقيا هي القارة الوحيدة التي تتمتع بتواصل مباشر مع كل القارات، حيث نجد أميركا الشمالية وأميركا اللاتينية من جهة الغرب، ثم أوروبا من جهة الشمال، ثم آسيا -وخصوصًا الشرق الأوسط والمنطقة العربية- من الشمال الشرقي، ثم أستراليا من الجنوب الشرقي. لذلك تمثِّل إفريقيا حلقة أو نقطة وصل بين القارات عبر المحيطات والجزر الواقعة على البحر المتوسط. كما أن القارة الإفريقية لا تزال من المناطق التي لم تتم الاستفادة من مواردها الأساسية، خاصة البشرية وثرواتها الطبيعية، بشكل كاف. فهي تتوفر على ثروات معدنية هائلة (الذهب والنحاس واليورانيوم…) وأيضًا النفط والغاز، فضلًا عن الثروة الحيوانية والمناطق الصالحة للزراعة.

إضافة إلى هذين البعدين، وهما التواصل مع العالم والثروات الطبيعية والبشرية، أصبحت إفريقيا في الآونة الأخيرة سوقًا كبيرة للمنتجات الخارجية، خصوصًا المنتجات التي ترد إليها من جنوب شرق آسيا (الصين ودول أخرى). وهذا ما يُفسِّر، ، تحوَّل إفريقيا إلى منطقة صراع نفوذ بين الدول التي تتنافس على الهيمنة الاقتصادية والسياسية. فإفريقيا تمثِّل اليوم محطة أساسية لمشروع الصين (الحزام والطريق) الذي يُراد له أن يجعل العالم مرتبطًا بالصين بشكل أساسي، وترى أميركا في هذا المشروع خطرًا على هيمنتها الاقتصادية والمالية في العالم. لذلك أصبحت إفريقيا منطقة صراع بين الإرادة الأميركية والإرادة الصينية، بل إن صراعات العالم تُعبِّر عن نفسها في الساحة الإفريقية مثلما هو الشأن بالنسبة للصراع التركي-الفرنسي، الذي يُعبِّر عن نفسه في شمال وغرب إفريقيا.

إن الموقع الجغرافي الاستراتيجي للقارة الإفريقية كان سببًا في المعاناة التي تعيشها دول المنطقة، حيث فشل معظمها في إنتاج نموذج تنموي قادر على استيعاب الشعوب الإفريقية. فمثلًا، “تُعد دولة جيبوتي، الواقعة في منطقة القرن الإفريقي، نموذجًا مختصرًا وصورة شديدة الكثافة للمشكلة الإفريقية، أو الصراع والتنافس الدولي حول إفريقيا؛ حيث نجد دولة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها المليون، لكنها تستضيف ما يقرب من 10 قواعد عسكرية لدول استعمارية سابقة”.

وتحتضن منطقة القرن الإفريقي وحدها حوالي 20 قاعدة عسكرية لم تستطع الاستفادة منها؛ إذ تشترك دولها في مشاكل أساسية، وتواجه حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار الداخلي (أزمة إعادة بناء الدولة في الصومال، والحرب في إثيوبيا، والفقر والتفاوت الطبقي في جيبوتي وكينيا، والحرب القبلية في جنوب السودان، وأزمة السلطة والشرعية في السودان). يضاف إلى ذلك غياب التنمية. فالأفارقة خسروا ثرواتهم وموقعهم الاستراتيجي وخسروا أيضًا سيادتهم.

وقد فشلت المنظمات والتجمعات الإفريقية (الإيغاد والإيكواس واتحاد المغرب العربي…) بدورها في إدارة الصراعات والخلافات بين الدول الأعضاء، مثل أزمة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا. وهناك أيضًا النزاع البحري بين الصومال وكينيا، وأزمة الحدود بين جيبوتي وإريتريا وهلم جرا. كما لم يستطع الاتحاد الإفريقي حلَّ الأزمات بين الدول داخل الأطر الإفريقية، إقليمية كانت أم قارية. كما تواجه دول القارة أزمة شرعية السلطة والديمقراطية وتعثر الاقتصاد والتنمية، وكل هذه الإشكاليات الإقليمية تتداخل مع الصراعات الدولية بصورة أو أخرى. لذلك لن تتمكن الدول الإفريقية من الاستفادة من موقعها إلا إذا استطاعت أن تحل مشاكلها المتعلقة بالدولة والديمقراطية والتنمية والتعاون الإقليمي وشرعية السلطة داخلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى