تقدير موقف

أبي أحمد ..هل يشعل صراعاً على موانئ القرن الأفريقي ؟

وحدة الدراسات

هي الوحدة المعنية في المركز في إعداد ومراجعة البحوث والدراسات، وتقوم بدراسة القضايا الراهنة المتعلقة بالشأن الصومالي ومنطقة القرن الأفريقي وتحليلها، ملتزمة معايير النشر وأساليب البحث العلمي.
Print Friendly, PDF & Email

المقدمة

أثارت تصريحات رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد في 15 من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري أمام البرلمان الإثيوبي بشأن تأمين منفذ بحري لإثيوبيا تساؤلات حادة ومتناقضة حول مستقبل الصراع على موانئ دول القرن الأفريقي (الصومال، جيبوتي، إريتريا)، وهو ما يقود بالفعل مستقبلاً إلى حلقة جديدة من دوامة العنف بين دول المنطقة، إذا صدقت نوايا آبي أحمد للوصول إلى البحر الأحمر بالقوة، إذا لا يوجد خيار مفتوح حالياً من دول المنطقة للتفاوض مع إثيوبيا بشأن التنازل عن سيادة أراضيها براً أو بحراً.

وقال آبي أحمد في كلمة له أمام المشرعين الإثيوبي وبثتها وسائل الإعلام الإثيوبية إن  الوصول إلى ميناء على البحر الأحمر يعد مسألة ذات أهمية وجودية لإثيوبيا، وحث الشعب الإثيوبي على الدخول في حوار بناء حول هذا الموضوع. وباستخدام خريطة لتوضيح موقع إثيوبيا الجغرافي الذي يقع بين البحر الأحمر والنيل، قال رئيس الوزراء: “ليس من المبرر التأكيد على أن النيل يهم إثيوبيا بينما البحر الأحمر ليس كذلك. مع أن الطبيعة لا تهتم بهذا التمايز”. وشدد على الترابط الوثيق بين البحر الأحمر ونهر النيل، وكلاهما يلعب دورًا أساسيًا في تشكيل مصير إثيوبيا، إما كمحركين للتنمية والريادة الاقليمية أو كمصادر محتملة للخطر.(1)

لكن علامات الاستفهام المثيرة في سياق تصريحات آبي أحمد الجديدة بشأن الوصول إلى البحر الأحمر، تكمن في الأسباب والدوافع الرئيسة بشأن الأطماع الإثيوبية نحوالتوسع إلى البحر الأحمر، باعتبار أن إثيوبيا دولة محاطة بالمياه من كل الاتجاهات، لكنها عطشى وغير قادرة على الوصول إلى البحر الأحمر، وباعتبارها أيضاً، واحدة من 44 دولة في العالم غير ساحلية، وذلك منذ استقلال إريتريا عنها في عام 1993، ولهذا واجهت أديس أبابا صعوبات كبيرة في زيادة حجم اقتصادها وعوائق جمّة في تنمية قطاعاتها الاقتصادية، خصوصاً في الموازنة بين وارداتها وصادراتها وتقليل فجوة التضخم المالية نتيجة طغيان الواردات على الصادرات منذ عقود. (2)

تصريحات آبي أحمد ..الدوافع والأسباب

دوافع اقتصادية : يدرك آبي أحمد أن حجم القوة الاقتصادية لإثيوبيا (126.78 مليار دولار عام 2022) والنمو الذي حققته في السنوات الأخيرة يواجه معضلة اقتصادية جذرية تتمثل في الاعتماد على موانئ دول القرن الأفريقي والتي تستنزف خزينة الدولة، إذ لا تخفي الحكومة الإثيوبية نواياها بتقليل التكلفة الباهظة والفاتورة الاقتصادية الكبيرة التي تدفعها أديس أبابا لدول المنطقة لتأمين حركة التصدير والاستيراد، خصوصاً مع جارتها جيبوتي، وذلك بكلفة تناهز ملياري دولار أميركي سنوياً لتحقيق عوائد مالية ضخمة (13 مليار دولار واردات ونحو 3 مليارات من الصادرات). واعتمدت أديس أبابا منذ عام 2015 سياسة تنويع الموانئ التي تستخدمها، ولجأت إلى ميناء مويالي في كينيا وبربرة في أرض الصومال (صوماليلاند) وتاجورة في جيبوتي، وهو ما خفّض نسبة اعتمادها على ميناء جيبوتي إلى 14.62 في المائة، وذلك طبقاً لتصريحات سابقة صدرت عن مدير الاتصالات في وزارة النقل والخدمات اللوجستية الإثيوبية، أتيك نيجاش. (3)

دوافع استراتيجية : مع التقدم الذي حققته إثيوبيا بشأن ملف سد النهضة وغياب دور مصري وسوداني فعال لدخول مفاوضات مصيرية مع أديس أبابا، تبدي حكومة آبي أحمد رغبتها في تحقيق مزيد من المكاسب الاستراتيجية في المنطقة، باعتبادرها دولة محورية في أفريقيا ولم تعد تخفي حجم تطلعاتها الاقتصادية والسياسية بعد انضمامها إلى منظمة “بريكس” (2023) وسعيها إلى الانضمام لمنظمات إقليمية ودولية أخرى، كونها تضم مقر الاتحاد الأفريقي، ولديها إمكانات تؤهلها مستقبلاً لاعباً إقليميا في المنطقة، لكن ذلك لايتحقق من دون ضمان منفذ إثيوبي على البحر الأحمر، من أجل التأثير بمجريات القارة السمراء بشكل عام، ومنطقة القرن الأفريقي على نحو خاص.

خيارات آبي أحمد

ليس ثمة خلاف على أن أديس أبابا المنهكة بصراعاتها الداخلية والتي خرجت من حرب مكلفة اقتصادياً وعسكرياً (حرب تيغراي 2022) وتواجه راهناً حركات تمرد من جبهة فانو الأمهرية والأورومو، لاتغامر بافتعال توترات أمنية جديدة تؤدي إلى التصادم مع جيرانها بالمنطقة، خاصة إريتريا أو الصومال، بالرغم أن الأطماع التي توصف بـ”التوسعية” هي السياسة التي انتهجتها الامبراطوريات التي حكمت أرض الحبشة، وكان الصراع سجالاً بين الصوماليين والإثيوبيين منذ القرون الوسطى وهو صراع اختزل في جوهره بين المسيحية والإسلام في القرن الأفريقي، ولهذا تتحدد خيارات آبي أحمد للوصول إلى البحر الأحمر في النقاط التالية :

  1. خيار المفاوضات : يبدو هذا الخيار مطروح بشدة حالياً من قبل حكومة أديس أبابا، حيث أعلنها آبي أحمد صراحة أن خيار التفاوض وارد مع إحدى الدول لتأمين الوصول إلى البحر الأحمر، لكن ينظر إلى ذلك الخيار من الجوار أنه غير ممكن حاضراً ومستقبلاً .
  2. خيار عسكرة الطموح : ليس خافياً على أن إصرار آبي أحمد وحزبه لتأمين قطعة أرض مطلة على البحر الأحمر ضرورية بالنسبة لقوة اقتصاد إثيوبيا ومكاناتها في البعدين الإقليمي والدولي وربما أن يؤدي هذه الطموح في نهاية المطاف إلى صدام مسلح، مآلاته مجهولة ويفتح لأجندة دولية وتدخلات إقليمية متشابكة، لترجيح كفة على حساب أخرى، بالنظر إلى أن علاقات أديس أبابا مع واشنطن تراجعت منذ الإطاحة بالجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عام 2022.

ماهي الموانئ التي تريدها إثيوبيا ؟  

شمل خطاب آبي أحمد الذي استمر لـ45 دقيقة أن هناك ثمة موانئ يمكن أن تشكل منفذ بحرياً لإثيوبيا، لقربها الجغرافي لإثيوبيا، مؤكداً أنه بات من الصعب عدم تأمين منفذ بحري لمجتمع يتنامى عدد سكانه تدريجياً، وتوقع آبي أحمد أن يصل عدد سكان إثيوبيا بحلول عام 2050 إلى أكثر من 150 مليون نسمة، وأن مسألة الوصول إلى منفذ بحري تعد بمنزلة “حياة أو موت”.

ودار النقاش في البرلمان الإثيوبي حول عدد من الموانئ الاستراتيجية والهامة في القرن الأفريقي وهي :

  • ميناء زيلع : وهو أقدم ميناء في الصومال ويخضع حالياً لسلطة جمهورية مايسمى بأرض الصومال (صوماليلاند) ويقع بالقرب من الحدود الصومالية الجيبوتي والإثيوبية، ويطل الميناء على باب المندب، ولديه مكانة استراتيجية، ويحتج آبي أحمد أن مدينة زيلع كانت جزءاً من سلطنة إيفات (1285 – 1415) التي كانت تحكم أراضي الحبشة، بالرغم أن السلطنة هذه وسلطنة عدل، كان يحكمها صوماليون، وكان الصراع دائراً بين الإسلام والمسيحية بسبب أطماع ملوك الحبشة نتيجة محاولات مدِّ نفوذهم في المنطقة شمالاً وجنوباً.
  • ميناء جيبوتي : وهو الخيار الثاني المطروح حالياً لدى أديس أبابا، لكن بحكم العلاقات الجيبوتية مع عدد من كبار دول ووجود قواعد بحرية أمريكية وصينية وفرنسية ويابانية، من الممكن أن لاتتسرع أديس أبابا نحو اقتطاع جزء من الموانئ الجيبوتية بالقوة، لأن خيار النقاش بين أديس أبابا وجيبوتي غير وارد.
  • ميناء عدوليس: الواقع في ساحل إريتريا جنوب مصوع ومن الممكن النظر إلى مصوع وعصب كخيار آخر لدى آبي أحمد .

تصريحات آبي أحمد وردود الفعل الإقليمية

من الواضح أن تصريحات آبي أحمد بشأن الحصول على منفذ بحري في البحر الأحمر تكررت في الفترة الأخيرة، لكنها لم تتسم بالوضوح ومازال النقاش دائراً في البرلمان الإثيوبي، كما أن الشك يساور كثيرين من الإثيوبيين، خاصة في مآلات هذا الطموح والتوجس من أن يتحول هذه الطموحات إلى حرب إقليمية .

وأثارت تصريحات رئيس الحكومة الإثيوبية ردود فعل إقليمية من الحكومتين الصومالية والإريترية، وقال تصريح من وزارة الإعلام الإريترية، إنها لن تدخل في المحادثات المتعلقة بوصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر بعد تصريحات مثيرة للجدل من أديس أبابا، وأن “الخطابات” حول الوصول إلى البحر والمواضيع ذات الصلة “التي طُرحت في الآونة الأخيرة” كانت “مفرطة”. وقالت إن الأمر “أثار حيرة جميع المراقبين المعنيين”. (4)

أما بالنسبة للصومال، أعلنت الحكومة الصومالية رفضها الدخول في مفاوضات بهدف الوصول إلى منفذ بحري في البحر الأحمر. جاء ذلك في بيان أصدره وزير الدولة للشؤون الخارجية الصومالي، علي عمر؛ حيث أكد أن بلاده غير مهتمة بمساعي إثيوبيا للوصول إلى منفَذ بحري. وأكد وزير الدولة للشؤون الخارجية أن الصومال تلتزم بشدة بتعزيز السلام والأمن والتجارة والتكامل، إلا أنها تعتبر سيادتها وسلامتها الإقليمية في البر والبحر والجو مقدسة وغير مفتوحة للتفاوض. (5)

واللافت، أن حركة الشباب التي تروج في خطاباتها لتجييش الداخل ورفع أنصار معنوياتها حول الأطماع التوسعية لإثيوبيا منذ القدم، وجدت أن الفرصة سانحة الآن لإصدار تصريحات تدعو إلى الوقوف إلى جانبها لمحاربة إثيوبيا ومواجهتها في المناطق التي تسيطر عليها، وهو خطاب يتزامن في ظل تواجه فيه الحركة تراجعاً كبيراً بعد طردها عدداً من المدن الاستراتيجية والمناطق بوسط البلاد.

وتبدو تصريحات آبي أحمد بخصوص الوصول إلى البحر الأحمر سلماً أو حرباً أنها ستخلط الاوراق والحسابات الدولية والإقليمية في منطقة القرن الأفريقي، وهو ما يؤكد فرضية أن آبي أحمد يسعى بالقوة لتحقيق مزيد من المكاسب الاستراتيجية والاقتصادية لإثيوبيا مع وجود حالة الضعف العسكري والاقتصادي التي تهيمن على الدول المحيطة بها خاصة الصومال والسودان، هذا بالإضافة إلى أن ملف سد النهضة الذي فشلت فيه القاهرة والخرطوم للتوصل مع أديس أبابا إلى تسويات سياسية واتفاقيات لحماية حقوق الدولتين المائية، عوامل ربما يمكن أن تمثل دافعاً قوياً لأديس أبابا نحو التوجه إلى موانئ القرن الأفريقي في نهاية المطاف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى