ترجمان

خارج الصندوق: كيفية إعادة التوازن إلى السياسة الأمريكية تجاه الصومال

مبارك أحمد

كاتب وباحث صومالي مهتم بشؤون القرن الأفريقي
Print Friendly, PDF & Email

المقدمة

أصدرت مجموعة الازمات الدولية مؤخرا تقريرا بعنوان (خارج الصندوق: كيفية إعادة التوازن الى السياسة الامريكية تجاه الصومال). يقدم التقرير توصيات محددة حول أهمية تغيير السياسة الامريكية تجاه الصومال والتي ظلت ثابتة طيلة خمسة عشر عاماً. ولهذا بات من الضروري تغيير مسارات السياسة الامريكية نحو الصومال، خاصة في مايتعلق بملف مكافحة الارهاب و التركيز على جهود المصالحة والسلام وتقديم المساعادات الانسانية. كما يقترح التقرير ضرورة فتح الحوار والمفاوضات مع حركة الشباب الموالية للقاعدة مستقبلاً بالتوازي مع الحلول العسكرية، أي فيما يعرف بسياسة “العصا والجزرة”.

ويقدم هذا التقرير مراجعة موضوعية مختصرة لهذا التقرير حول أهم النتائج التي توصل إليها التقرير. كما يقدم التقرير قراءة ناقدة حول التوصيات والمقترحات التي تضمنها.

الحضور الأمريكي في الصومال

كان للولايات المتحدة الامريكية حضور عسكري قوي في تاريخ الصومال الحديث عبر المساعدات العسكرية المقدمة إلى الحكومة العسكرية بقيادة الراحل اللواء محمد سياد بري. بعد انهيار الحكومة العسكرية في الصومال أرسلت الحكومة الأمريكية جنودا إلى الصومال في عام 1992 ضمن قوات بعثة الأمم المتحدة المتعددة الجنسيات (27 دولة) . لكن بعد مقتل 18 جندياً أمريكياً سحبت الولابات الامريكية المتحدة بعثتها العسكرية من الصومال. لكن أعين واشنطن لم تغب عن المشهد الصومالي، بل ظلت تراقب الوضع عن كثب، لكن شهد التحرك المفصلي في حضورها الميداني والعسكري في المنطقة، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، وأصبحت الصومال مرة اخري مسرحا للعلميات العسكرية الامريكية، بحيث جمدت أموالاً لشركة “بركات” الصومالية والتي كانت تعمل في مجال الاتصالات والحوالة، وكان قلق الحكومة الأمريكية حينها في امكانية أن تصبح الصومال ملجأ آمنا للحركات الجهادية التي لها علاقة بتنظيم القاعدة. أما في عام 2006 أصبحت الولايات تعطي أولوية كبيرة تجاة الصومال، عندما سيطر اتحاد المحاكم الإسلامية على أغلب المناطق جنوب ووسط الصومال، عندها أعطت واشنطن القوات الاثيوبية ضوءاً أخضراً للتدخل عسكرياً في الصومال، والقضاء على اتحاد المحاكم الإسلامية.

ويتناول التقرير كيف توصلت ادارة بايدن قرار اعادة القوات الامريكية الى الصومال. كما يناقش التقرير لمادا يجب إعادة التوازن السياسة الامريكية تجاه الصومال بعد الحادي عشر سبتمبر.

أ منهجياً، اعتمد التقرير على المقابلاث بشكل اساسي حيث شملت عينة المقابلات على المسؤولين الامريكيين، وكذلك المسؤولين الصوماليين وموظفي الامم المتحدة والمنظمات الدولية وممثلي الهيئات الغير الحكومية و الصحفيين والاكادميين والباحثين. وأجريت المقابلات في الفترة مابين أغسطس/آب 2021 حتى يونيو/ حزيران 2023، في كل من واشنطن ونيويورك ونيروبي ومقديشو ولندن وبروكسل، وكذلك عن طريق الوسائل الإلكترونية. ويستند التقرير أيضًا إلى نتاج خبرات العمل التي قامت بها مجموعة الأزمات الدولية حول الاوضاع في الصومال.

خلفية تاريحية

شن الرئيس بايدن حملة لوقف “الحروب الأبدية” – الصراعات الناتجة عن 11 سبتمبر، ومع حدوث تطورات رئيسية في الصومال، أجرت إدارة بايدن تقييمات متداخلة متعددة أثرت على سياسة الولايات المتحدة بشأن الصومال. سعت هذه التقييمات إلى تحديد ما إذا كانت عمليات ما بعد 11 سبتمبر/آب تستحق المال والمخاطر والجهد في ضوء الانخفاض الملحوظ في الإرهاب العابر للحدود وزيادة التركيز على القضايا الأخرى. وأضاف أن حركة الشباب، أكبر جماعة تابعة للقاعدة، تزداد قوة دون بذل جهود أكبر لمكافحة الإرهاب.

وأعرب عن اعتقاده بأن الجماعة تهدد المصالح الأمريكية في شرق إفريقيا، كما أنها تهدد الوطن، وهو أمر نادر بين المسؤولين الأمريكيين. ومع ذلك، هناك قيود على فعالية الضربات الجوية ضد حركة الشباب جزء أساسي من العمليات في الصومال. كانت هذه جزءًا من الجهود العسكرية الأمريكية في الصومال منذ إدارة بوش ، ويعتقد العديد من المسؤولين والمحللين الأمريكيين أنها لا تزال ضرورية لمحاربة حركة الشباب. نفذت أفريكوم تعديلات إجرائية كرد فعل على الانتقادات، على الرغم من أن الضربات الجوية الأمريكية لا تزال تلحق الضرر بالمدنيين وممتلكاتهم.

وتناول التقرير ضرورة خروج قوات بعثة الاتحاد الأفريقي واستلام الجيش الصومالي المهام الأمنية من القوات الانتقالية الأفريقية (أتمس)، وأكد التقرير أهمية وحدة دنب في مكافحة  الارهاب. و هذه الوحدة التي قوامها 1500 تلعب دورا مهما في هذا الصدد، إلا أنها لاتكفي وحدها تنفيذ العمليات العسكرية المطلوية في الصومال لأسباب عدديدة منها: قلة العدد والدعم المالي والفني الأمريكي  .

الصومال في صندوق: حدود سياسة الولايات المتحدة

شكل قرار الرئيس بايدن بإعادة القوات الأمريكية إلى الصومال منعطفاً جديداً للسياسة الأمريكية إزاء الصومال، التي تركز على تقديم المساعدة المؤقتة والدعم العسكري والمساعدات الإنسانية. من غير المرجح أن يؤدي هذا النهج، الذي يشار إليه باسم «جز العشب»، إلى نتائج دائمة وقد يكون غير مستدام إذا كان هناك حادث مؤسف كبير أو تحول سياسي.

المساعدات العسكرية في شكل الغارات الجوية أو من خلال دعم وحدة “دنب” لعبت دورا مهماً في محكافحة حركة الشباب الصومالية. ويدعوا التقرير الى أن الصومال تحتاج الى جيش رسمي شرعي بدلا من المليشيات. إلا أن أكبر مشكلة تواجه السياسة الأمريكية في الصومال هي أن أمريكا تقدم الدعم العسكري والمساعدات الانسانية إلى الصومال ولا يؤدي ذلك إلى استقراره في ظل الظروف التي يمر بها البلد من انقسامات مجتمعية والنزاع القائم بين الحكومة الفيدرالية وبعض الولايات، يمكن الملاحظة هنا أن الحكومة الفيدرالية لديها علاقات جيدة مع أربع ولايات من أصل خمس ولايات، حيث رفضت ولاية بونتلاند المشاركة في مقررات المؤتمر التشاوري وقطعت علاقتها بمقديشو، ولم تفلح جهود التطبيع بين مقديشو وبونتلاند بعد.

أعاقت رئاسة فارماجو (2017-2022) جهود بناء الدولة. بدلاً من المصالحة مع الولايات الفيدرالية، وركز فارماجو على مركزية السلطة. ولم تفعل الولايات المتحدة شيئًا عندما اشتبكت القوات الفيدرالية مع قوات جوبالاند بسبب رفض مقديشو الاعتراف بإعادة انتخاب أحمد محمد إسلام “مادوبي” في أغسطس 2019. ومع ذلك ، ربما تكون الولايات المتحدة قد خففت حدة التوترات من خلال الضغط على أصدقائها في كينيا وإثيوبيا، اللتين كان لهما ثقل على الأطراف المتحاربة، والإصرار على تسوية رسمية بين فرماجو ومادوبي.

في المقابل، أعطت الانتخابات غير المباشرة لحسن شيخ محمود في مايو 2022 الأمل لمقديشو لتوحيد النخب السياسية في العاصمة والولايات الفيدرالية لمحاربة حركة الشباب بشكل أفضل. بدأ محمود في الوفاء بوعوده الانتخابية من خلال زيارة قادة الولايات الفيدرالية الذين دعموا فرماجو خلال موسم الانتخابات (ولاية جلمدغ وولاية جنوب غربي الصومال ) لإصلاح العلاقات. وعقد اجتماعات للمجلس الاستشاري الوطني للدول الأعضاء الفيدرالية في الصومال وقادة الحكومة لمعالجة المخاوف وتنسيق الإجراءات.

نحو سياسة متوازنة افضل

السياسة الامريكية تمر حالياً بمنعطف حرج في الصومال؛ حيث تتغير سياستها القديمة والتي كانت محصورة بسياسة الاحتواء ومكافحة الارهاب من خلال مساعدة الجيش الصومالي بغارات جوية ضد حركة الشباب الموالية للقاعدة، إلى التوجه نحو عمليات المصالحة والسلام و جهود المساعدات الانسانية. وتتغير السياسة الخارجية الامريكية تبعا للسياسة المحلية الامريكية حيث يراهن التقرير بقاء أو عدم بقاء القوات الامريكية قي الصومال في حالة اعادة انتخاب الرئيس الامريكي الحالي جو بايدن أو إذا انتُخب مرشحا ديمقراطي اخر . اما في حالة فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وبإعادة انتخابه فمن المحتمل سحب الجنود الامريكيين من الصومال. كما أن التقرير يدعو إلى استثمار الامريكيين في عمليات بناء الدولة الصومالية من خلال المحادثات بين الحكومة الفيدرالية والولايات حول القضايا المتعقلة بتوزيع الثروة والسلطة في البلاد. كما يقترح التقرير أهمية انشاء هيئة مستقلة للمصالحة وتقصي الحقائق  وبدورها توفر الولايات الامريكية المتحدة الدعم المالي والفني لتحقيق وتفعيل تلك الجهود.

كما أن التقرير يلمح إلى أهمية العمل في هذا المسار الذي قد يؤدي إلى استكمال الأعمال الغير المكتملة مثل استكمال الدستور وإجراء انتخابات عامة ونزيهة وإيجاد حلول لقضية جمهورية صومالي لاند. كما يتهم التقرير الولايات المتحدة الامريكية بالفشل في التنسيق مع الدول الاخرى في جهودها لمكافحة حركة الشباب المجاهدين، وخاصة حلفائها الغربيين كدول الاتحاد الأوروبي والممكلة المتحدة وتركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة.

ويجادل هذا التقرير إلى أن هناك تحليلاً موسعا مفاده بأنه لايمكن هزيمة الحركة عسكريا، ويدرك المسؤوليين الأمريكيين الامر كذلك. لكن يتجاهلون في إيجاد حل دائم نحو هذا المسار. يقرر التقرير بأنه لا يتعين على واشنطن أن تأخذ زمام الميادرة إذ حان وقت مفاوضات بين مسؤولي الحكومة الصومالية وقادة حركة الشباب المجاهدين، إضافة الى ذلك بامكان الولايات الامريكية أن تساعد في وضع تدابير بناء الثقة اللازمة بين الطرفين. ويذهب التقرير إلى أبعد من ذلك، إلى فتح الحوار مع الحركة ولانجاح المفاوضات يمكن ان تعطي وانشنطن الضوء الاخضر لبدء المحادثات من خلال وقف الغارات الجوية ضد الحركة، وكذلك استخدام ثقلها السياسي لإقناع الدول في القرن الأفريقي والخليج أن تكون لهم أيضا دور موازي وداعم في هذا الصدد.

ويكشف التقرير أن من العوامل التي تفسر جزئيا إلى بقاء السياسية الامريكية تجاه الصومال ثابتة لعقود طويلة تتمثل في أن الكونغرس لم يعر أي اهتمام ولم يمارس ضغطاً على المجلس التنفيذي في الادراة الأمريكية لتغيير مسار السياسة الأمريكية إزاء الصومال.

منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، أعطت الولايات المتحدة الأولوية للحفاظ على السلامة في الصومال من خلال تنفيذ حملات مكافحة الإرهاب. ويتفق هذا المقال على نتائج التقرير، التي أكدت أن استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الصومال تحتاج إلى تغيير جذري، ومع ذلك، فإن الاقتراحات الواردة في الدراسة لا تشكل حلاً جذرياً من شأنه أن يؤدي إلى تحسينات ملحوظة في جهود الصومال لبناء دولة. ومن الضروري أن تركز الولايات المتحدة الأمريكية على جهودها في الصومال  من خلال تعزيز مؤسسات البلد، ولا سيما مؤسسات الخدمات العامة، وإعادة بناء الجيش الصومالي، فضلاً عن الإسهام في تطوير الهياكل الأساسية والبني التحتية في البلد. ولا يكفي مجرد تقديم مساعدة مالية أوفنية لوحدة من الجيش.

 وفيما يتعلق بالمفاوضات وفتح باب الحوار مع حركة الشباب، يبدو أن هذا بات ضرورياً وهام للغاية، ولكن الحركة لها أبعاد مختلفة ومعقدة تصطدم بجهود التفاوض معها. أحد هذه الأبعاد يكمن في حقيقة أن الحركة ولدت في المجتمعات المهمشة في الصومال بغض النظر عن ايديولوجيتها الفكرية، والتي تستخدم الحركة للتحقيق في انتمائها السياسي ومكانتها في المجتمع. كما أن بعض المجتمعات تجد من الحركة بعض الحلول للمظالم والتمهيش الذي مورس عليهم من قبل الحكومات الصومالية. وبحسب ما توصل اليه الباحث الصومالي محمد حاج انجليز فإن اهم دوافع الشباب الصومالي للانضمام إلى لحركة هي اسباب عقدية (ايدلوجية) واقتصادية واجتماعية وأخري تتعلق بالإقصاء السياسي لبعض المجتمعات في الصومال وكذلك البيئة والجغرافيا. لذلك هنالك حاجة ماسة إلى حلول جذرية تعالج جوهر المشكلة.

الخاتمة

خلص التقرير إلى أن الولايات المتحدة الامريكية تواجه صعوبات في سياستها الخارجية نحو الصومال. وأن عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي استمر لعقود طويلة خلق أرضية خصبة لحركة الشباب. علاوة على ذلك، لم تنجح العمليات العسكرية ضد الحركة في تحقيق مكاسب ميدانية واضحة المعالم، وبات واضحاً للجميع أان الحركة لن تهزم بقوة السلاح.كما أكد التقرير أن الولايات المتحدة لابد أن تعيد التوزن في سياستها لدعم الصوماليين في بناء دولتهم. ويمكن للولايات المتحدة والمانحين الآخرين تقديم الدعم الفني والمالي لتحقيق الاستقرار والمصالحة، على المدى القصير، كما يجب على الولايات المتحدة التركيز على تعزيز التنسيق بين المركز والأطراف أثناء الهجمات ضد الحركة. وأن يكون الهدف هو الالتزام بالمصالحة الوطنية والانفتاح على المفاوضات بين مقديشو ومتمردي الشباب كآخر علاج للأزمة الأمنية الراهنة لجلب الاستقرار للصومال والمنطقة وتبديد المخاوف من بروز توترات أمنية قادمة من الصومال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى