أوراق تحليلية

الانتخابات الرئاسية في صومالي لاند : خلفيات المرشحين وتوجهات الناخبين

محمود عبدي

باحث صومالي مهتم بشؤون وقضايا القرن الأفريقي، له اسهامات وأبحاث منشورة في مواقع ومراكز أبحاث عربية، ألف مترجم صومالي عربي، وحاز جائزة الشارقة للترجمة.

 

مقدمة

لحظة فاصلة يواجهها المشهد السياسي في صومالي لاند،  في ظلّ الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في منتصف شهر نوفمبر القادم، لعام 2024 الحالي، إذ تجد نفسها في مفصل تاريخي أمام مساعيها التي بذلتها منذ فترة طويلة نحو تطلعاتها إلى السيادة والحكم الديمقراطي، محاولة تجاوز التحديات التي يفرضها عدم الاستقرار الإقليمي وغياب الاعتراف الدولي. وقد تشكل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لحظة فارقة في تاريخ السياسي لصوماليلاند، إذ سيتخذ الناخبون قرارات حاسمة من شأنها أن تشكل مسار هذه الدولة الفتية ومستقبلها،  ما يستوجب تحليل الظروف المحيطة بهذه الانتخابات، وتحديد المتنافسين في هذه العملية السياسية المحورية، ومن خلال التعرّف على المرشحين الرئاسيين الثلاثة، فحص الديناميكيات الانتخابية، وإقبال الناخبين، والاستراتيجيات التي تستخدمها الأحزاب المتنافسة، نهدف إلى فهم مؤثرات العملية الانتخابية على التنمية الديمقراطية ، والحكم، والمكانة الدولية، ومن خلال تسليط الضوء على تعقيدات الواقع الأمني والسياسي، يمكن استشراف النتائج المتوقّعة لتلك العملية السياسية شديدة الدقة والتأثير[1].

برامج الأحزاب السياسية المرشحة لخوض سباق الانتخابات الرئاسية

منذ إعلان استقلالها عن الصومال في عام 1991، نجحت  صوماليلاند في خلق مشهد سياسي فريد يميزها عن نظيرتها الجنوبية المضطربة. وباعتبارها جمهورية معلنة ذاتيا، فقد تمكنت  صوماليلاند من أرساء نظامٍ ديمقراطي يتميز بوجود أحزاب سياسية متعددة ذات توجهات وسياسات متنوعة، إذ من خلال عوامل نشأتها وبرامجها السياسية يمكن فهم ديناميكيات الحكم في  صوماليلاند وتطلعاتها إلى الاعتراف الدولي.

وتنشط الأحزاب السياسية الرئيسية الثلاثة في صوماليلاند هي الحزب الوطني WADANI، وحزب السلام والوحدة والتنميةUCID ، والحزب الديمقراطي لصوماليلاند KULMIYE [2]، في إطلاق حملاتها السياسية بحماس بالغ[3]، إذ يقدم كل من هذه الأحزاب مواقف سياسية متباينة تعكس نهجا مختلفا للحكم والتنمية والعلاقات الخارجية.

  • حزب السلام والوحدة والتنمية الصوماليلاندي (KULMIYE)

يسعى (KULMIYE) الحاكم أو (التضامن) في بعض الترجمات لتقديم نفسه الحزب  الأكثر تقدمية، مع التركيز على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، ويتضمن برنامج الحزب إصلاحات كبيرة في الحكم، بهدف تعزيز الشفافية والمساءلة داخل المؤسسات الحكومية، ويدافع الحزب عن الإصلاحات القانونية والسياسية التي تعزز سيادة القانون وحماية حقوق المدنيين والمساواة بين الجنسين.

كما يعطي (KULMIYE)الأولوية للتقدم التكنولوجي والتعليم الحديث باعتبارهما محركين رئيسيين للتنمية، تركز السياسات الاقتصادية للحزب على تنويع المصادر الاقتصاد من خلال تعزيز الابتكار وريادة الأعمال، وخاصة بين الشباب الذين يشكلون نسبة كبيرة من سكان  صوماليلاند، وفي السياسة الخارجية، يسعى الحزب إلى الاستفادة من الشراكات التكنولوجية والتعليمية مع الكيانات العالمية لبناء اقتصاد قائم على المعرفة.

  • الحزب الوطني الصوماليلاندي (WADANI)[4]

يروج الحزب الوطني الصوماليلاندي الذي يرتبط غالبا بأجندة أكثر قومية، لخطاب سياسي يؤكد على السيادة والوحدة الوطنية، وتأسس حزب (WADANI) سنة 2012 نتيجة لانهيار حزب (UDUB)  الحاكم سابقًا، واستجابةً لعدم الرضا عن الإدارات السابقة، ويدعو إلى دولة قوية قادرة على الحكم المستقل دون الاعتماد على المساعدات الدولية، ويتمثل جوهر برنامجه في الالتزام بالحفاظ على السلام والاستقرار داخل حدود  صوماليلاند وتعزيز هويتها في مواجهة التحديات الإقليمية.

على الصعيد الاقتصادي، يدعو الحزب الوطني إلى تطوير البنية الأساسية والخدمات العامة، مع إعطاء الأولوية لشبكات الطرق والرعاية الصحية والتعليم، وتتضمن رؤيته تسخير الموارد الطبيعية بشكل مسؤول لتعزيز الاقتصاد المحلي مع ضمان اعتماد  صوماليلاند بشكل أقل على التحويلات المالية من الشتات، وتركز السياسة الخارجية لهذا الحزب على تكوين شراكات استراتيجية، في المقام الأول مع الدول التي تحترم سيادة  صوماليلاند.

  • حزب العدالة والتنمية (UCID)

يضع الحزب نفسه كجسر بين القيم التقليدية والحكم الحديث، ويؤكد برنامجه على العدالة والمصالحة بين مجتمعات  صوماليلاند المتنوعة، ينعكس هذا الالتزام بالتماسك الوطني في سياساتهم الرامية إلى تعزيز الحوار والتعاون بين العشائر المختلفة، والتي كانت خلافاتها تاريخيًا مصدرًا للانقسام.

من الناحية الاقتصادية، يعطي حزب العدالة والتنمية الأولوية للتنمية الشعبية والتخفيف من حدة الفقر، مع التركيز على المبادرات التي تمكن المجتمعات المحلية، ويشمل هذا النهج تعزيز الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم من خلال توفير الوصول إلى برامج التمويل الأصغر والتدريب، وفيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، يؤكد حزب الشعب الديمقراطي على المشاركة الدبلوماسية مع الدول المجاورة والمنظمات الدولية، والدعوة إلى الاعتراف الدولي بصوماليلاند على الساحة العالمية من خلال الحوار السلم[5].

وعلى ذلك فإن الأحزاب السياسية في  صوماليلاند تمثّلُ نسيجًا غنيًا من الأيديولوجيات، حيث يساهم كل منها في سعي الأمة إلى مستقبل مستقر ومزدهر،  ففي حين يركز حزب (KULMIYE)على السيادة الوطنية وإدارة الموارد، يسعى (WADANI) إلى الوحدة والتنمية الشعبية، ويدافع حزب (UCID) عن توجهاته التنموية والعدالة الاجتماعية، ومع استمرار  صوماليلاند في التعامل مع تحدياتها المعقدة، فإن المنافسة والتعاون بين هذه الأحزاب سيلعب دورًا حاسمًا في تشكيل المشهد السياسي والمسار المستقبلي. إن فهم برامجهم المتنوعة أمر حيوي لتمييز آمال وطموحات مواطني  صوماليلاند وهم يسعون إلى مزيد من الاعتراف والتنمية.

الجمعيات السياسية : الفرص والتحديات

يقضي النظام الانتخابي في صوماليلاند، إلى فتح المجال لتأسيس جمعيات سياسية، بعد انتهاء مدّة أحزاب الأمّة الثلاث، تلك المدّة المحددّة بعشر سنوات، على أن تنخرط الجمعيات السياسية في سلسلة من الإجراءات، بدءًا بشروط تسجيلها التي منها دفع رسوم التسجيل وجمع اعتمادات ألف ناخب من كل دائرة من الدوائر الانتخابية الثلاث، وقد تحقق ذلك في بإعلان لجنة تسجيل الجمعيات السياسية عن نجاح تسع جمعيات سياسية في تجقيق شروط تسجيلها لديها وذلك في السابع من نوفمبر لسنة 2022م، ما يسمح لتلك الجمعيات بالمشاركة في العملية الانتخابات، ممثلة في الانتخابات البلدية التي تؤدي إلى حدوث تصفية بين الجمعيات السياسية، لخروج ثلاثٍ منها منتصرة، لتكون أجزاب الأمة الثلاث، وعلى ذلك فإنه من المفترض أنّ أحزاب الأمّة الثلاث المنتهية مدّة تسجيلها، أصبحت من ضمن الجمعيات السياسية في البلاد، وبذلك يكون العدد النهائي للجمعيات السياسية إثنتي عشر جمعية.

وقد شهدت العملية الانتخابية في صوماليلاند على مستويي الانتخابات البلدية والانتخابات النيابية، ما أدّى إلى تأخر حدوثها حتى صيف 2021م[6]، وهو ما أدّى إلى تداخل مدد المجلس النيابي والمجالس البلدية، مع تاريخ فتح المجال السياسي للجمعيات السياسية، وقد نتج عنه اضطراب سياسي كبير، لا يبدو في الأفق حتّى الآن حلّه، فالأحزاب الثلاث صمّمت على الاحتفاظ بمكانتها كأحزاب أمّة، في حين أن القانون الناظم يجعلها تقع ضمن الجمعيات السياسية، غير المؤهّلة لدخول انتخابات رئاسية أو نيابية، وهو ما أدّى بعد طول مداولات وتقصير من جهة المحكمة الدستورية إلى العمل بتسوية سياسية، جعلت وجود الجمعيات السياسية كعدمه من جهة، واضطرار بعض الجمعيات السياسية إلى التحالف مع أحزاب المعارضة، كحالة جمعية كاه السياسية (KAAH) بقيادة محمود حاشي الذي أعلن تحالفه مع الحزب الوطني[7]، مما زاد من تعقيد الخريطة الانتخابية على الحزب الحاكم المتسبب في هذه الاضطراب السياسي، وعزز بالمقابل حظوظ الحزب الوطني المعارض في تحقيق أغلبية في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

خلفيات المرشحين للرئاسة : من هم ؟

لقد سعت  صوماليلاند، وهي جمهورية معلنة من جانب واحد في منطقة القرن الأفريقي، باستمرار إلى الحصول على اعتراف دولي منذ أعلنت استقلالها من جانب واحد عن الصومال في عام 1991. ومع استعداد المنطقة لانتخابات رئاسية أخرى، فإن فهم خلفيات المرشحين أمر ضروري لفهم دوافعهم وأساليب قيادتهم ورؤاهم لمستقبل  صوماليلاند.

ويعد الكولونيل/ موسى بيحي عبدي[8] أحد الشخصيات البارزة في المشهد الانتخابي الراهن ، فهو الرئيس الحالي والزعيم السابق لحزب (KULMIYE)، وقد ولد موسى بيحي عام 1948، وله خلفية سياسية مهمة تشمل الخبرة العسكرية والحكومية، إذ خدم في مناصب مختلفة في الجيش الوطني الصومالي وانضم سنة 1984م إلى الحركة الوطنية الصومالية، وهي إحدى الفصائل الرئيسية في النضال ضد النظام الدكتاتوري للجنرال محمد سياد بري، ومع إعلان الاستقلال من طرف واحد ركزت  صوماليلاند على قضايا مثل الأمن والتنمية الاقتصادية وتعزيز مؤسسات الدولة من خلال التسويات التي قادها زعماء العشائر، ومع ذلك، يشير المنتقدون إلى اتهامه بالحكم الاستبدادي والحريات المحدودة تحت قيادته والتراجع الاقتصادي، والهزائم العسكرية، مما يثير تساؤلات حول إمكانية فوزه في الانتخابات القادمة، نتيجة لأخطائه السياسية والعسكرية التي أدّت إلى انقسامات واسعة، وعدم التزامه بالحفاظ على ما اشتهرت به صوماليلاند من نشاط المجتمع المدني، واتساع مساحة حرية التعبير عن الآراء، والدفاع عن نمو وديمومة العمليات الديمقراطية.

وينافسه المهندس فيصل علي ورابي[9]، زعيم (UCID)، وقد ولد “ورابي” عام 1950، كان من أنصار سياسة الانفصال  عن الصومال في  صوماليلاند منذ أوائل التسعينيات، وتميزت حياته المهنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساءلة في الحكم، فهو مؤسس أول حزب سياسي في البلاد سنة 2001م، ويحمل خبرة كبيرة كعضو سابق في البرلمان وله سمعة مميزة باعتباره ناقدًا صريحًا لنهج الحزب الحاكم في الحكم، ويؤكد برنامجه على الحاجة إلى الإصلاح السياسي والتنويع الاقتصادي وتعزيز فرص العمل للشباب، ومع ذلك لا تزال قدرته على حشد الدعم الكافي نظرًا لتجاوزه قانون الأحزاب بترؤسه لحزبه لمدة إضافية ثالثة، وميله لخطابة الشعبوية التحريضية على كل ما يمتّ لشريك الوحدة السابق، إضافة لنقده اللاذع لفئات شعبية متعددة ذات وزن، مثل أبناء الجاليات الصوماليلاندية في البلاد العربية.

كما أن المرشّح عبد الرحمن محمد عبد الله، المعروف شعبياً باسم “عرو”[10]، يعتبر الأوفر حظًا في الانتخابات القادمة، . وهو شخصية معروفة في  صوماليلاند، ينتمي ،عرو إلى حزب المعارضة (WADANI)، وخلفيته متنوعة وتشمل مزيجًا من العمل الدبلوماسي قبيل إعلان صوماليلاند إنفصالها، الفطنة التجارية والقيادة السياسية، وباعتباره رئيسًا سابقًا لمجلس النواب في البرلمان الصوماليلاندي، كان “عرو” مؤثرًا في تشكيل السياسة التشريعية والدعوة إلى توزيع الموارد بشكل عادل، وخاصة في مجال الرعاية الصحية والتعليم، غالبًا ما تركز حملته على الوحدة والحاجة إلى نهج تعاوني للحكم، لعلاج المشكلات التي راكمتها فترتى حكم حزب (KULMIYE)،  ومع ذلك فإن التحدي الذي يواجهه يكمن في تعزيز كتلته الانتخابية المجزّاة، للتغلب على التحديات التي يخلقها الحزب الحكام الذي يسخّر موارد الدولة، لخلق حالة دعائية مستمرة من التشكيك في كفاءة المرشّح ،وإخلاص حزبه لوحدة واستقلال صوماليلاند.

ويمثل المرشحون بجانب أحزابهم أيضًا دوائر اجتماعية وقبيلة أوسع داخل  صوماليلاند، وتلعب خلفياتهم العشائرية دورًا حيويًا في نجاح استراتيجياتهم السياسية، إذ تتمتع  صوماليلاند بنظام عشائري معقد، يؤثر على السياسة الحزبية والولاء وسلوك الناخبين، ولأجل ذلك يحاول كل مرشح مناشدة الانتماءات العشائرية المختلفة، بينما يسعى أيضًا إلى سد الفجوة بين الانقسامات من أجل هوية وطنية موحدة.

مع اقتراب موعد الانتخابات، يبذل المرشحون جهودًا للوصول إلى الناخبين، وإشراكهم في حوارات حول قضايا ملحة مثل البطالة، وتطوير البنية الأساسية، والسؤال الحاضر دائمًا حول الاعتراف الدولي، وقد تردد صدى هذا الجانب من الحملة بعمق لدى العديد من المواطنين الذين يسعون إلى الاستقرار والشرعية الدولية على الساحة العالمية.

ومع ذلك فإنّ خلفيات المرشحين الرئاسيين في  صوماليلاند تعكس مزيحًا من الخبرات العسكرية والسياسية والاجتماعية المتنوعّة، ويحمل كل مرشح وجهات نظر فريدة تعكس خبراته وتأثيراته وتطلعاته إلى  صوماليلاند، التي تواصل الإبحار في سعيها إلى إقامة الدولة والحكم الديمقراطي، ومن المتوقع أن تكون الانتخابات المقبلة نقطة محورية في تاريخ  صوماليلاند، حيث لن تحدد مسار قيادة الدولة فحسب، بل ستحدد أيضًا مسارها نحو تحقيق الاعتراف الدولي الذي طالما رغبت فيه، وتأثيرذلك على السياسة في إقليم القرن الإفريقي المضطرب[11].

الدوائر الانتخابية في صوماليلاند

الدوائر الانتخابية في  صوماليلاند هي مناطق جغرافية محددة تسهل تنظيم الانتخابات وتمثيل السكان في الحكومة، وكل دائرة مسؤولة عن انتخاب ممثلين لمجلس النواب، وهو الغرفة الدنيا في البرلمان  الصوماليلاند ذي المجلسين، ويتم إنشاء الدوائر مع مراعاة الكثافة السكانية والتنوع القبلي والبنية الإدارية، مما يضمن أن يكون لكل منطقة صوتها المكافئ لها في الحوار الوطني.

حتى الآن، تنقسم  صوماليلاند إلى 6  دوائر انتخابية مماثلة لعدد المحافظات في البلاد، وتنقسم إلى 24 ناحية إنتخابية، و1253 لجنة انتخابية، لاستقبال مليون ومائتين وسبعة وعشرين ألفًا وأربعة وثمانين ناخبًا، وكل ذلك محكوم بقواعد وأنظمة محددة وضعتها اللجنة الوطنية للانتخابات[12]، وهذه اللجنة هي هيئة مستقلة مكلفة بالإشراف على العملية الانتخابية، بما في ذلك تسجيل الناخبين، وإجراء الانتخابات، وحل النزاعات الانتخابية، وتعمل اللجنة على ضمان احترام مبادئ الشفافية والنزاهة والشمولية على مدى العملية الانتخابية.

في السنوات الأخيرة، تم تسليط الضوء على أهمية هذه الدوائر الانتخابية في سياق التطور السياسي في  صوماليلاند، فهي لا تعمل فقط كوسيلة للحكم المحلي ولكن أيضًا كأساس للاستقرار الوطني الأوسع، من خلال تعزيز المشاركة الديمقراطية، إذ تشجع الدوائر الانتخابية المواطنين على المشاركة في العملية السياسية والدعوة لمصالحهم ومحاسبة المسؤولين المنتخبين.

يتميز المشهد الانتخابي في  صوماليلاند بنظام حزبي سياسي فريد من نوعه، تهيمن عليه في المقام الأول ثلاثة أحزاب رئيسية: حزب السلام والوحدة والتنمية  (Kulmiye)، وحزب العدالة والرتنمية (UCID)، والحزب الوطني الصوماليلاندي (Waddani) تتنافس هذه الأحزاب في الانتخابات داخل هذه الدوائر المحددة، مما يساهم في البيئة السياسية التنافسية التي تعد ضرورية للديمقراطية العاملة. إن وجود أحزاب متعددة يمكّن الناخبين من الاختيار، وتعزيز النقاش السياسي والحوار بين ممثلي الدوائر المختلفة.

ومع ما سبق فلا يمكن إنكار أنّ أحد العناصر الحاسمة في إطار الدوائر الانتخابية هو دور الزعماء التقليديين وديناميكيات العشائر، فالمجتمع  الصوماليلاندي قائم في الأساس على العشائري، وتلعب هذه البنى الاجتماعية دوراً هاماً في السياسة، وكثيراً ما يترشح ممثلو العشائر لمناصب انتخابية، ويمكن رؤية تأثيرهم في سلوك الناخبين وانتماءاتهم الحزبية، وقد يؤدي هذا التشابك بين هوية العشيرة والتمثيل السياسي إلى تحديات، بما في ذلك التوترات القبلية المحتملة[13]، ولكنه يوفر أيضاً آلية قوية لتعبئة القاعدة الشعبية والمشاركة في العملية الانتخابية.

ومن المهم أن نلاحظ أن  صوماليلاند تواجه تحديات مستمرة في عملياتها الانتخابية. وقد عبّرت الأطراف المعنية مرارًا عن قلقها حيال قضايا نزاهة الانتخابات، بما في ذلك ما يتكرر من مزاعم الاحتيال والافتقار إلى الشفافية، ولذا تشكل الجهود المستمرة لتعزيز قدرات اللجنة العليا للانتخابات، وزيادة جهود التوعية الناخبين، وتعزيز دور المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات أهمية بالغة لتعزيز الديمقراطية في الدوائر الانتخابية في  صوماليلاند.

محافظة سول : الانتخابات والتطورات الميدانية

في الانتخابات الأخيرة التي جرت في  صوماليلاند في مايو/أيار 2021، لعبت محافظة “سول” دوراً حاسماً، على الرغم من التحديات العديدة التي واجهتها. وشهدت اللجان الانتخابية في المنطقة مشاركة كبيرة، تعكس رغبة متزايدة – حينها- بين السكان المحليين في التأثير على المشهد السياسي، وكانت الانتخابات بمثابة لحظة حاسمة لسكان سول، حيث كانت فرصة لانتخاب ممثلين ليس فقط لمجلس النواب ولكن أيضاً للمجالس المحلية، وأظهر الحماس بين الناخبين توقاً جماعياً لتحقيق المساءلة والحوكمة والتنمية في منطقة شعرت في كثير من الأحيان بأنها مهمشة في العمليات السياسية.

عايشت محافظة “سول” وتحديدًا عاصمتها “لاسعانود” حالة من القلق الأمني نظرًا لتكرارأعمال الاغتيال، بين الفصائل السياسية المتنافسة في تلك المنطقة الحدودية، ما أدّى في النهاية إلى حالة من العصيان الشعبي والمظاهرات، التي تسببت فيها قوى الأمن التابعة لصوماليلاند بسقوط أعداد من المتظاهرين، وهو ما تسبب بالنتيجة إلى اندلع القتال في 6 فبراير 2023 بعد أن شنت قوات الأمن في أرض الصومال حملة قمع عنيفة على الاحتجاجات المدنية، ما دفع القيادات التقليدية في المدينة إلى أعلان رفض الحكم الإنفصالي في صوماليلاند، وضرورة عودة الوحدة، ووتحت قيادة الرئيس موسى بيحي، انخرط جيش أرض الصومال في عملية عسكرية موسعة تهدف إلى إخضاع مدينة لاس عانود من خلال القصف المدفعي على مدى ستة أشهر، مما أدى إلى إتلاف المدارس والمساجد والمستشفيات ووفاة وإصابة المدنيين.

وكانت نتيجة المواجهات العسكرية الممتدة على مدى أكثر من عام ونصف إلى هزيمة الجيش الصوماليلاندي في 25 أغسطس 2023 فيما عرف بمعركة “غوجاعدي”[14]، وتراجع القوات الصوماليلاندية غربًا، لمسافة مائة كيلومتر إلى بلدة “أوغ”، وإعلان القيادات التقليدية مساعيهم لاستكمال جهودهم في إنشاء ولاية “خاتمو” الفيدرالية التابعة مباشرة للعاصمة الصومالية “مقديشو”، ما أخرج مناطق واسعة من محافظة “سول” وكذلك جزءًا من ناحية “عين” ونواحي أخرى من محافظة “سناغ”، من سيطرة وسيادة صوماليلاند، بما يعزز الاعتقاد بعدم إمكانية إجراء الانتخابات في تلك المناطقة التي أعلن خروجها عن السيادة الصوماليلاندية أرضًا وسكّانًا.

سيناريوهات الانتخابات الرئاسية

مع استعداد  صوماليلاند للانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن المشهد السياسي يعج بالتوقعات والتحديات والسيناريوهات المتنوعة التي قد تتكشف، ورغم أن هذه الدولة التي أعلنت عن استقلالها من طرف واحد، والتي تعمل بشكل مستقل عن الصومال منذ عام 1991، فأمامهاخطوات كبيرة في بناء المؤسسات الديمقراطية، ومع ذلك، فإن تعقيدات بيئتها السياسية والواقع العسكري والضغوط الخارجية تفرض تحديات وفرصًا فريدة من نوعها في الفترة التي تسبق الانتخابات.

خارطة النتائج المتوقعة للانتخابات الرئاسية في صومالي لاند

ثمة مجموعة من السيناريوهات التي تلف المشهد الانتخابي في صومالي لاند، وهي :

السيناريو الأول: نتيجة انتخابية مثيرة للانقسام

إن أحد السيناريوهات يتمثل في نتيجة انتخابية مثيرة للانقسام، في حال حدوث تجاوزات من قبل حزب الحاكم، بحيث لا يظهر مرشح واحد بأغلبية واضحة، وعادة ما يؤدي هذا السيناريو إلى مفاوضات متوترة وتحالفات بين الأحزاب السياسية، والتي قد تشمل تلك العملية التكتلات االعشائرية التقليدية المتنافسة، وقد يفتح هذا التفتت السياسي إلى سلسلة من المفاوضات التي قد تتطلب الوقت لتحقيق تسويات، قد لا تكون مرضية، ما يؤدي إلى فقدان السيطرة على الوضع الأمني، وفي حين قد تعكس هذه التسويات حالة ديمقراطية نابضة بالحياة، فإنها قد تعطل العملية السياسية أيضًا، مما يؤدي إلى استياء الناخبين وارتفاع محتمل في مستوى عدم الاستقرار السياسي، وفي أسوأ السيناريوهات فأن عجز الفصائل على التوصل إلى اتفاق، قد يؤدي ذلك إلى تفاقم التوترات الكامنة داخل المجتمع، واللجوء لحلول أمنية قد تنحدر نحو اللجوء للسلاح للفصل بين المتنافسين.

السيناريو الثاني: انتقال سلمي للسلطة

وهناك احتمال آخر متفائل هو انتقال سلمي للسلطة إلى حزب المعارضة الأكبر (WADANI)، والذي من شأنه أن يثبت نضج النظام السياسي في  صوماليلاند، وبناءًا على سجلّها المستقر نسبيًا من الانتخابات المتتالية على مدى عقدين منذ عام 2003، فإن الانتقال السلس من شأنه أن يثبت صحة العملية الديمقراطية ويزيد من احترام المجتمع الدولي لهذه الجمهورية غير المعترف بها دوليا، وهذا إن حافظ الرئيس الحالي على ضبط قاعدة مؤيديه في الحزب والدولة، جنبًا إلى جنب مع التركيز على الدعاية الإيجابية، بعيدًا عن حملات تشويه السمعة، ، وكذلك فتح باب المشورة ورفع القيود عن حريّة التعبير، والتراجع عن سلوكيات الترهيب والتخويف غير الشرعية، فقد يضمن سيناريو الانتقال السلس للسلطة التركيز المستمر على تطوير البنية الأساسية والدبلوماسية الدولية، مما قد يؤدي إلى زيادة الاستثمار والمساعدات الأجنبية.

السيناريو الثالث: تأثير السياسة العشائرية

ومع بقاء الهوية العشائرية عاملاً مهمًا في سياسة  صوماليلاند، لذا فإن السيناريو الذي تؤثر فيه الولاءات العشائرية بشدة على سلوك الناخبين قد يقوض العملية الانتخابية، في حال عدم توافق النتائج الانتخابات مع توقعات الزعامات العشائرية، خاصة مع اشتعال الخطابات الانقسامية، ودفع الحزب الحاكم (Kulmiye) نحو مناشدة المرشحين في المقام الأول قواعدهم العشائرية، من خلال الإصرار على تثبيت التحالفات السياسية القائمة على التكتلات العشائرية مثل تكتل “جيغان”[15] المؤيد للحزب الحاكم، وتكتل “غران” المؤيد لحزب المعارضة الأكبر(WADANI)، في ظل شعور التكتّل الأخير بحرمانه من حقّه في المشاركة في السلطة على مدى ثلاثة عقود، وهو ما يكون خلاف الممارسة الديمقراطيّة الصحية المبنية على تقديم أجندات وطنية موحدة، فقد تؤدي الانتخابات إلى تفاقم الانقسامات القائمة، قد يؤدي هذا السيناريو إلى العنف أو الاحتجاجات، مما يعكس المظالم العميقة الجذور التي تتجاوز مجرد الخلافات الانتخابية. مثل هذه النتيجة من شأنها أن تتطلب حوارًا عاجلاً وجهودًا لحل النزاعات بين النخبة السياسية وقادة المجتمع لمنع المزيد من الخلافات.

الخلاصة

مع استعداد  صومالي لاند لانتخاباتها الرئاسية، فإن السيناريوهات المحتملة متنوعة ومعقدة، وسوف تلعب عوامل مثل السلام والتعاون والديناميكيات السياسية الناشئة ونفوذ العشائر والمشاركة الدولية أدواراً حاسمة في تشكيل النتيجة الانتخابية، وبصرف النظر عن المسار الذي ستتخذه، فإن هذه الانتخابات توفر فرصة ل صوماليلاند لتعزيز هويتها الديمقراطية بشكل أكبر مع تقوية رغبتها في الحصول على اعتراف أكبر على الساحة العالمية، إن الفصل التالي في الملحمة السياسية ل صوماليلاند على وشك أن يتكشف، والعالم يراقب.

مراجع

[1] Louisa Brooke-Holland, 7 March 2023 , Political developments in Somaliland house of  commons library, Date accessed October 14, 2024, link: https://rb.gy/x5zen3

[2] Editorial, October 16, 2024, Somaliland Election Campaigns Intensify as Political Parties Rally Support Date accessed October 17, 2024, link: https://rb.gy/12r5hn

[3] Hassan, A. (2024, October 21). Somaliland electoral commission fines Kulmiye and Waddani parties for premature campaigning. Hiiraan Online, Date accessed October 14, 2024,link: https://shorturl.at/JjdJN

[4] Official website of WADANI party: https://rb.gy/c3audl

[5] last edited on 23 September 2024, Justice and Welfare Party, From Wikipedia, the free encyclopedia, Date accessed October 14, 2024,link: https://rb.gy/9awqoe

[6] Abdilahi abdirahman, June 4, 2021, Somaliland: Natiijada doorashooyinka golaha wakiilada iyo deegaanka ee gobol iyo degmo cusub oo lagu dhawaaqay , hiiraan online, Date accessed October 14, 2024, link: https://rb.gy/gwmzmq

[7] Editorial, August 05, 2024, Wadani-Kaah Coalition Restructuring Somaliland Political Landscape, Somaliland Chronicle, Date accessed October 14, 2024,link: https://shorturl.at/UDK02

[8] Axmed Saciid Cige, 9 November 2017, Taariikh nololeedka Muse Biixi Cabdi,   BBC Somali, Hargeysa Date accessed October 14, 2024,link: https://www.bbc.com/somali/41926837

[9] Axmed Saciid Cige, 9 November 2017, Taariikh nololeedka Faysal Cali Waraabe,   BBC Somali, Hargeysa Date accessed October 14, 2024, link: https://www.bbc.com/somali/41897951

[10] Axmed Saciid Cige, 9 November 2017, Taariik nololeedka Cabdiraxman Maxamed Cabdillahi “Cirro”, BBC Somali, Hargeysa, Date accessed October 14, 2024, link: https://www.bbc.com/somali/41925997

[11] Hamdi I. Abdulahi, JAE Volume 21 Number 2, Oct 2022, Journal of African Elections, ELECTIONS AND ELECTORAL PROCESSES IN SOMALILAND A Fading Democracy, Date accessed October 14, 2024, link: https://tinyurl.com/3uvp8hbs

[12] Mohamed Bariyare, 23 April 2024, Guddiga doorashooyinka Somaliland oo shaaciyay Tirada cod-bixiyayaasha ee sannadkan, Date accessed October 14, 2024, link: https://tinyurl.com/2vc6epew

[13] Editor, September 19, 2023, Ethnic clashes in Somaliland escalate, threaten civil war, Date accessed October 14, 2024, link: https://tinyurl.com/3wmhdeew

[14] Editor, September 19, 2023, Ethnic clashes in Somaliland escalate, threaten civil war, Date accessed October 14, 2024, link: https://tinyurl.com/3wmhdeew

[15] Editor, Seteembar 11, 2023, Waa maxay Jeegaan waa se maxay Jeegaanisim ama siyaasadda ku salaysan iskaashiga Jeegaanta?, Date accessed October 14, 2024, link:  https://tinyurl.com/bdd2r75c

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى