تمدد “الشباب” يهدد توازنات الداخل الصومالي والتنافس الدولي في القرن الأفريقي

في السابع والعشرين من يوليو/تموز، تمكنت حركة “الشباب” المرتبطة بتنظيم “القاعدة” من السيطرة على مدينة “محاس” وسط الصومال، في انتكاسة موجعة للحكومة الفيدرالية التي سبق أن استعادت البلدة عام 2014 بمساندة قوات الاتحاد الأفريقي. هذا التقدم يضاف إلى سلسلة مكاسب ميدانية حققتها الحركة منذ مطلع العام، حيث أعادت بسط نفوذها في مناطق استراتيجية حول العاصمة مقديشو.
لا يقتصر خطر “الشباب” على الداخل الصومالي فحسب، بل يمتد إلى تهديد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. فقد أُدين أحد عناصرها في نيويورك العام الماضي بتهمة التخطيط لهجوم مماثل لهجمات 11 سبتمبر، كما اتُهم مواطن أمريكي آخر في 2023 بمحاولة الانضمام للحركة بهدف مهاجمة أهداف أمريكية. تقارير الأمم المتحدة كشفت بدورها عن تنسيق تكتيكي بين “الشباب” والحوثيين في اليمن، يشمل نقل أسلحة وخبرات مقابل تكثيف أنشطة القرصنة لدعم هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
تحديات داخلية وضعف مؤسسي
رغم أن الحكومة الصومالية أطلقت في أغسطس 2022 حملة عسكرية واسعة ضد “الشباب” بمشاركة لواء “دناب” الخاص والميليشيات العشائرية، إلا أن هذه الجهود لم تترجم إلى إنجازات دائمة. فالجيش الوطني يعاني من الفساد وضعف الأداء، فيما تركزت أولويات الرئيس حسن شيخ محمود على صراعات سياسية داخلية، وهو ما منح “الشباب” فرصة لاستعادة زمام المبادرة والعودة إلى مناطق فقدتها منذ سنوات.
كما ساهم الفراغ الناجم عن انسحاب تدريجي لقوات الاتحاد الأفريقي في تعزيز موقف الحركة. فمنذ تأسيس بعثات “أميسوم” ثم “أتميس”، لعبت القوات الأفريقية دوراً محورياً في احتواء “الشباب”، غير أن التحول إلى بعثة “أوسوم” مطلع العام الجاري يواجه عقبات تمويلية تهدد فاعليتها.
تنافس تركي ـ إماراتي على النفوذ
يتقاطع التمدد العسكري لـ”الشباب” مع سباق نفوذ إقليمي بين تركيا والإمارات في الصومال والقرن الأفريقي. أنقرة عززت حضورها العسكري منذ إنشاء “معسكر تركسوم” عام 2017، وهو أكبر قاعدة لها خارج حدودها، حيث تدرب وحدات النخبة مثل “غورغور” و”هرمعد”. كما أرسلت مؤخراً طائرات مسيّرة متطورة لتعزيز قدرات الجيش الصومالي.
في المقابل، توسعت الإمارات في شراكاتها الأمنية عبر دعم قوات “بونتلاند” البحرية وبناء قواعد استراتيجية، فضلاً عن استثمارات في الموانئ، أبرزها ميناء بربرة وميناء بوساسو. غير أن علاقاتها مع مقديشو شهدت توترات متكررة، آخرها بعد مقتل ضباط إماراتيين في هجوم لـ”الشباب” على معسكر في العاصمة مطلع 2024.
تداعيات إقليمية ودولية
إن عودة “الشباب” إلى واجهة المشهد تطرح تساؤلات جدية حول قدرة الجيش الوطني على تولي مهام الأمن من دون دعم خارجي. وبات واضحاً أن بقاء بعثة الاتحاد الأفريقي بتمويل دولي، إلى جانب تعزيز برامج التدريب التي تقودها تركيا والإمارات، يمثلان حجر الزاوية في أي استراتيجية لاحتواء الحركة.
لكن التحدي الأكبر يكمن في ضمان حياد هذه الوحدات العسكرية ومنع استخدامها في الصراعات السياسية الداخلية، إضافة إلى خلق آليات فعالة للتنسيق بين الأطراف الدولية والإقليمية، على غرار “التحالف الدولي ضد داعش”.
في المحصلة، يُظهر المشهد الصومالي اليوم تداخل العوامل المحلية مع الإقليمية والدولية: ضعف الدولة المركزية، وطموحات القوى الإقليمية، وتنامي التهديدات العابرة للحدود. وهو ما يجعل من “الصومال” ساحة اختبار لقدرة المجتمع الدولي على مواجهة الحركات الجهادية، في وقت تتنافس فيه قوى مثل تركيا والإمارات على صياغة ملامح النفوذ في القرن الأفريقي.