في سياق الانتخابات: مطلب الخروج من الاضمحلال السياسي

لا يمكن التفكير في المسالة الصومالية الا من خلال التفكير مأزق الدولة الحديثة وعلاقتها المتوترة مع البنى التقليدية، وكذلك فشل السياسة في إعادة انتاج المجتمع. وتكاد تكون المسالة الصومالية من اكثر المسائل الاجتماعية والسياسية تعقيدا في المستوى العالمي بحيث لا تزال الجهود الدولية تسعى الى إرساء قواعد الدولة فيها. ولأكثر من عقدين تبدو السياسة عموما تعيش حالة من الاضمحلال السياسي، وذلك بفشل الجهود الرامية لبناء الدولة والتخلص من الازمات التي تعصف على المجتمع الصومالي. ويبدوا ان المجتمع الصومالي يعيش حالة مزدوجة من الياس والامل، الياس من فشل السياسيين المتكرر، والبحث عن مخرج من هذه الازمة. وبالتالي يكون موسم الانتخابات من اكثر المواسم التي تحبس الانفاس ويتطلع من خلالها المجتمع الخروج من الاضمحلال السياسي وكسر حلقة الفشل، ولذلك من الضروري تجديد نوعية النخب السياسية، لان السياسة باتت مصدر كل الشرور حسب الحقائق الواقعية.
في هذه المقالة نعالج ازمة الاضمحلال السياسي ونبحث في كيفية الخروج من هذه المعضلة، وبحث أسباب ثقافة الاضمحلال التي لا زالت تقف عائقا امام مشروع الإصلاح السياسي.
ما هو الاضمحلال السياسي؟
يقصد الاضمحلال السياسي بفشل السياسة في تحقيق نتائج مرضية في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، بالعكس تنمو ظاهرة الاقتطاع السياسي بحيث يحتكر نخبة من السياسيين العمل السياسي ويشكلون كتلة صلبة امام أي مشروع إصلاحي. إضافة الى ذلك تتحول الازمات الموضوعية مثل الفقر والكوارث الطبيعية وفقدان الإرادة السيادية، الى جزء من اللعبة السياسية من خلالها تحاول النخب السياسية استثمارها لصالحهم. وبالتالي فان هذه السياق يخلق حالة من النرجسية السياسية، تبقى السياسة محصورة في اشباع رغبات الديناصورات السياسية.
عموما الاضمحلال السياسي هو حالة من السكون تتطلب عملية سياسية راكدة وعقولا خاوية، لتفريغ العمل السياسي من المضمون. ولا يمكن الخروج من هذا المأزق الا من خلال إعادة تشكيل الفعل السياسي وتحريك المجتمع المدني مما يخلق حيوية سياسية تنهي التخلف السياسي والركود الاقتصادي والانهيار الاجتماعي.
كان من الواضح في العقد الأخير من هذا القرن ان الصومال تنتقل نسبيا الى حالة من الاستقرار، لكنه للأسف مشوه بحيث يتم القبول بالاضمحلال السياسي كحالة طبيعية والقيادات الفاشلة كجزء عضويا من السياسة، وبالتالي فان هذه الحالة تخلف وغيا مزيفا يغتال الخيال والتفكير، ويؤدي في النهاية الى ولادة لحظة يكون فيها الواقع صلبا يصعب تغييره. ومن المعروف في عالمنا الحديث ان السياسة تقدر ان تنتج مجتمعا غير واعي يشبه الزومبي – الموتى السائرون – وذلك بسبب امتلاكها وسائل إعلامية وميزانية ضخمة، وكذلك قدرتها على تأثير حياة الافراد من خلال سياسات التقنين. لذلك فان تشكيل دولة من خلال الاضمحلال السياسي، قد تدخلنا الى نفق مظلم وضياع قد يؤدي الى نظام شمولي. وبالتالي فانه لا يمكن ان نخرج من الفشل الاجتماعي والثقافي الا من خلال اصلاح سياسي وثوره تستهدف القيم السياسية الحاكمة التي أدت الى فشل المجتمع والدولة.
المعضلات الاربعة
عموما تعاني السياسية الصومالية في العقود الأخيرة الى أربعة معضلات رئيسية تقف امام أي مشروع إصلاحي يستهدف خلق حالة من الحيوية السياسية؛ وهي:
- تسيس القبيلة
- المال السياسي
- ضياع السيادة الوطنية
- فقدان الرؤية والقدرة على التجريد النظري
تسيس القبيلة كانت منذ تأسيس الجمهورية وحتى تسويغ النموذج الفيدرالي، تشكل عاملا أساسيا في العمل السياسي. وكانت متغيرا تابعا للمصالح والاجندات الذاتية للسياسيين، مما يعني ان النخب السياسية استطاعت على مر التاريخ استغلال عنصر القبيلة لمصالحهم الخاصة ومن أهمها البقاء على السلطة، ومواجهة الأعداء السياسيين. وهذا النوع من التسيس غير الطبيعي للقبيلة أدت في النهاية الى فشل المجتمع والسياسة معاً.
وكذلك في عشر السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة المال السياسي الى اعلى مستوياتها، حيث بلغت الرشوة الى ملايين الدولارات. هذه الظاهرة تقف امام العملية الإصلاحية لأنها تفرض واقعا سياسيا يدعم الفساد والرشوة ويخرج من خلالها نخب مرتزقة. إضافة الى ذلك لعبت القوى الخارجية دورا هاما في اغراق السوق السياسي بالمال مما أضاع السيادة الوطنية. الولاء الأجنبي من اكثر الازمات الأخلاقية التي تعيشها السياسة الصومالية، ومن ثم فانه من المطلوب التحرر الكامل من هذه التبعية وذلك بالانتقال الى حالة من الوعي الوطني يرفض التبعية والاستغلال الأجنبي. ومن مخلفات هذه الازمات معضلة أخرى وهي معضلة عقلية تلخص الازمة الفكرية التي تعانيها السياسة الصومالية. ويمكن ان نفهم انه اذا كانت تسيس القبيلة والدعم الأجنبي من اكثر العوامل التي قد توصلك الى السلطة فليس من المطلوب أي برامج سياسية ورؤية استراتيجية.
مأزق الحداثة
هده المعضلات في الحقيقة هي نتيجة فشل متراكم لعقود طويلة، وبالتالي أصبحت جزء طبيعيا من النشاط السياسي، ومن الواضح في ذلك اننا نعيش مازق ليس سياسيا فحسب، بل يمس جميع مظاهر الحياة. وتلاحظ تاريخيا ان التطور الاجتماعي والسياسي الصومالي كان تطورا غير طبيعي، او بعبارة أخرى حدث طفرات سوسيوسياسية أدت الى انتاج مجتمع يعاني خللا من ناحية النمو. فحالة البداوة الاجتماعية إضافة الى التدخل الاستعماري خلقت الدولة القومية الحديثة، وبالتالي فان المشكلة تكمن في الانتقال من مجتمع بدوي Pastoral Society الى مجتمع مدني، هذه الحالة أدت تشوه سياسي وثقافي واجتماعي، ومن ثم فان تزاوج بين البداوة والحداثة خلقت حالة غير طبيعية، لان المجتمع البدوي لم يمتلك أدوات عضوية تحمية من سطوة الحداثة. ومن مظاهرة هذه السطوة التحديث القسري، والعنف العدمي والدولة المتسلطة، وبالتالي فان فشل الدولة الحديثة كانت نتيجة حتمية بسبب انتقام المجتمع منها، ولهذا فانه من الضروري إعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع من جديد.
واستعصاء بناء الدولة في الصومال هي بسبب عدم تشكيل توليفة توافقية بين الدولة والمجتمع، وبالتالي يتم تكرار نماذج فاشلة يرجى من خلالها ان تقوم مؤسسات حكومية قوية. ولم تنجح هذه النماذج فحسب، بل اضافت تعقيدات جديدة مثل فدرلة القبائل Federalization ومسالة القومية، أي المشكلة بين الهوية السياسية القائمة على السياسات الهجرة والتجنيس وبين الهوية الاجتماعية التاريخية القائمة على النسب والقرابة.
ما هي مواصفات القيادية التي نحتاجها؟
أخيرا في سياق هذه الانتخابات الرئاسية القادمة فإننا في امس الحاجة أولا الى تجديد النخب السياسية لأجل تحريك عجلة الإصلاح الى الامام. فالقيادة التي نحتاجها الان هي قيادة حكيمة تمتلك رؤية استراتيجية، نحتاج الى قيادات جريئة تواجه الازمات بروح قتالية عالية الي قيادات تمتلك كاريزما شخصية من خلالها تستطيع ان تجمع الفرقاء السياسيين الى المصلحة العليا وتخلق حالة من الاستقرار السياسي والقانوني الى قيادات تنتهج سياسات عقلانية ورشيدة في عملية في النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعية وتطوير المؤسسات الحكومية. واذا لم يكن هناك قيادات سياسية بهده المواصفات فسوف نظل نكافح من اجل ايجادهم….