تقدير موقف

الصومال : الحملة الثانية ضد “حركة الشباب” ..الاحتمالات والسيناريوهات

وحدة الدراسات

هي الوحدة المعنية في المركز في إعداد ومراجعة البحوث والدراسات، وتقوم بدراسة القضايا الراهنة المتعلقة بالشأن الصومالي ومنطقة القرن الأفريقي وتحليلها، ملتزمة معايير النشر وأساليب البحث العلمي.
Print Friendly, PDF & Email

المقدمة

تشهد مدينة طوسمريب منذ مطلع اغسطس الجاري تحركات عسكرية واستعدادات من القوات الصومالية ومسلحي العشائر بهدف شن حملة عسكرية استكمالاً للمرحلة الأولى من الحملة ضد عناصر حركة الشباب المتمركزة في ثلاثة مدن رئيسية بإقليم جلجدود وهي مدينة عيلبور ومدينة جلهريري ومدينة وبحو، هذا إلى جانب تحركات عسكرية مكثفة واستعدادات تجريها حركة الشباب وتعبئة السكان المحلي لمواجهة الجيش الصومالي تحت ذريعة صد هجوم حسن شيخ محمود ضد العشائر القاطنة في تلك المدن الثلاث .

 ولا تزال مدينة عيل بور الاستراتيجية في محافظة جلجدو، تقع في سيطرة حركة الشباب منذ اكثر من عقد ونيف، وهي من البلدات القديمة والتاريخية والمناطق المحيطة بها وهي مناطق رعوية واسعة تكثر فيها البركات المائية وتحسن للرعي،وغنية بمختلف المعادن،والبترول.

وفي وقت سابق من العام الحالي تم تحرير الشريط الساحلي من إقليم جلجدود مثل بلدة مسغواي ومدينة عيل طير، إضافة إلى  مدينة حررطيري التي كانت من أهم معاقل حركة الشباب في إقليم مدق وسط البلاد.

وشهد الحزام الأمني والمناطق القريبة من مدينة جلعد الاستراتيجية الساحلية عمليات تمشيط يجريها الجيش ضد فلول حركة الشباب وهي الجهة الشرقية لإقليم جلجدو، بينما مدينة عيل بور وهي هدف أساسي للحكومة الفيدرالية في المرحلة الأولى من الحملة العسكرية، تعد نقطة التقاء مسلحي الحركة من جهة والقوات الصومالية والمليشيات العشائرية من جهة ثانية.

استراتيجية تحرير ممكنة

ووفق متابعين فإن الخطة الحكومية لتحرير عيل بور تتحدد في فتح جبهة جديدة من غرب المدينة وليس من الشرق،  فقد تم إعداد 3000 مسلح من المليشيات المحلية – المعروفة معاويسلي – في مدينة “غري عيل” في إقليم جلجدود بولاية غلمدغ وسط البلاد استعدادا للمشاركة مع وحدات الجيش الوطني في المرحلة الثانية من العمليات العسكرية ضد حركة الشباب، وهدفها الأساسي هو تحرير مدينة عيل بور الإستراتيجية.

وتشمل الخطة الحكومية محورين:

المحور الأول: استنزاف مقاتلين الحركة في شرق عيل بور حيث تدور معارك وطيسة وتنفيذ عمليات عسكرية نوعيّة للجيش ضد الحركة، فقد صرحت وزارة الإعلام بأن مائة من مقاتلي الحركة قتلوا قبل أيام في قصف جوي، وتدمير 14 من المركبات العسكرية تابعة في منطقة تقع بين محافظتي غلغدود وشبيلي الوسطى، كما قتل عشرات آخرين في معارك مباشرة مع الجيش.

وتقدّم القوات العسكرية الأمريكية في أفريقيا المعروفة بـ“أفريكوم” دعما جويا للقوات الصومالية التي تحارب حركة الشباب في عدة مناطق بوسط وجنوب البلاد.

ويلعب المدير العام لجهاز المخابرات والأمن القومي الصومالي السيد مهد محمد صلاد دورا محوريا في الحملة العسكرية الرامية إلى تحرير جميع المناطق الواقعة تحت سيطرة حركة الشباب المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة

المحور الثاني : من الخطة يتثمل في الهجوم الكاسح من غرب عيل بور بعد استنزاف مقاتلي حركة الشباب في شرقها ومن ثم شن هجوم مضاد على حركة الشباب في المناطق المتبقية التي تقع بحوزتها في الضفة الغربية من نهر شبيلى .

وتأتي الحملة العسكرية المرتقبة عقب إعداد الحكومة الصومالية اكثر من 15 آلاف جندي صومالي خلال الشهور العشرة الماضية حيث تم تدريبهم،وتجهيزهم بأسلحة حديثة،وهم في استعداد تام لمشاركة الحملة العسكرية في المرحلة الثانية وفق مصادر من وزارة الدفاع الصومالية.

تسليح العشائر وتقاعس إقليمي

من جهة أخرى تم جمع المسلحين في مدرسة “هرقبوبي” للتدريب العسكري في مدينة غورعيل بحضور مسؤولين محليين وضباط من الحكومة الفيدرالية وإدارة غلمدغ الإقليمية.

ولا تزال حركة الشباب تسيطر على محافظة كاملة في ولاية جوبالاند وهي محافظة جوبا الوسطى التي بها مدن استراتيجية مثل جلب وبؤالي وساكو وغيرها، كما تسيطر على معظم مناطق الريف في محافظتي باي وبكول بولاية جنوب الغرب، قدراتها الشاملة، وفقدانها التحكم السيطرة،وبسط الحكومة الصومالية سيطرتها التامة على كامل تراب الوطن.

ومن جهة ثانية وبحسب ما نشره موقع “هورن إكزامينر” (hornexaminer) الصومالي في 3 أغسطس الحالي، فإن الدول المجاورة للصومال المعروفة باسم دول المواجهة، وهي جيبوتي وكينيا وإثيوبيا، أبلغت الصومال تعليق التزامها بتقديم المساعدة في المرحلة الثانية من العملية العسكرية ضد حركة “الشباب”. وقال الموقع إنه اطلع على رسالة تعلن فيها إثيوبيا أنها لن تكون جزءا من العملية.

ويعني انسحاب الدول الثلاث انتهاء الاتفاقية التي تم توقيعها مع إثيوبيا في فبراير/ شباط 2023، وتعهدات جيبوتي وإثيوبيا وكينيا بالمشاركة في القضاء على حركة “الشباب” للحد من تهديدها الأمني لمنطقة القرن الأفريقي، بسبب هجمات الحركة على دول الجوار منذ يوليو/ تموز 2022.

وتبدو أن الاتفاقية الأمنية التي وقعت بين الصومال ودول الجوار في فبراير / شباط الماضي لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة من قبل حركة “الشباب” بطلت وأصبحت في خبر كان ، وتجعل الصومال خالياً من التطرف، لكن عدم تنفيذها ستكون له تداعيات وخيمة، وأبرزها استمرار تهديد الحركة للمناطق الواقعة على حدود دول الجوار، خاصة كينيا وإثيوبيا، فيما تبقى جيبوتي محصنة بفضل الاستقرار الأمني لإقليم أرض الصومال (بونتلاند) الانفصالي المحاذي لها.

ويحذر خبراء من أن نقض الاتفاقية سيؤثر على القدرات العسكرية المتوقعة في المرحلة الثانية من العملية العسكرية ضد حركة “الشباب”، وسيؤدي إلى عجز القوات الصومالية عن فتح عدة جبهات في وقت واحد.

كما أن تقاعس دول الجوار عن الالتزام ببنود هذه الاتفاقية يحد من قدرات الصومال القتالية ضد “الشباب”. ويعتبر أن عدم وجود أسلحة نوعية وذخيرة يؤثر على المردود الميداني للخطط العسكرية، ويفقد الجيش الصومالي القدرة على تحقيق حسم عسكري في أرض المعركة ضد الحركة، بالإضافة إلى أن الاتفاقية الأمنية الرباعية حتمية استراتيجية لاستقرار القرن الأفريقي، حيث لم تعد حركة “الشباب” تشكل تهديداً فقط للصومال، بل إنها تهدد كينيا وأثيوبيا إيضاً، حيث هاجمت بشراسة العام الماضي عمق الأراضي الإثيوبية، كما أنها تسيطر حالياً على 60 في المائة من مدينة مانديرا الكينية على الحدود مع الصومال.

وتعتبر المقاومة الشعبية المساندة للجيش الصومالي في حربه ضد حركة “الشباب” والغطاء الجوي النوعي من تركيا وأميركا والإرادة السياسية للرئيس حسن شيخ محمود تضمن مواصلة القوات الصومالية انتصاراتها، إلا أنه يتوقع أن يؤدي انسحاب دول الجوار إلى تضعضع معنويات الجيش الصومالي وتغير الحسابات العسكرية في عملية مواجهة حركة “الشباب.

الحرب على حركة الشباب : سيناريوهات محتملة

وعلى الرغم من ذلك فإن استمرار هذه الضغط العسكري ضد “الشباب” وعلى هذا المنوال، ولأول مرة منذ نحو خمس سنوات، يضع مستقبل حركة الشباب في واحد من السيناريوهات التالية :

أولاً : هزيمة حركة الشباب : تبدو المعارك المستمرة منذ شهور ضد “الشباب” حاسمة ومصيرية بالنسبة لمستقبل استقرار الصومال وفق رؤية الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الذي يكرر في أكثر من مناسبة وفي اجتماع مع الجاليات الصومالية في المهجر أن الحرب ضد “الشباب” مصيرية ولن تتوقف، ما يرجح إمكانية استمرار الحرب ضد الحركة لفترة طويلة، وسيناريو هزيمتها عسكرياً على يد الجيش الصومالي ومسلحي العشائر هو الأقوى حالياً نظراً لعوامل وأسباب اندلاع هذا الصراع ضد أقوى فرع لتنظيم القاعدة في أفريقيا.

ثانياً : إضعاف قوة حركة الشباب : تتمتع حركة الشباب قوة عسكرية لا يستهان بها ويقدر عدد مقاتليها ما بين 5 و10 ألف مقاتل منتشرين في جبهات عدة في عموم البلاد، وكانت تتمتع بحيازة نحو 80% من مناطق البلاد مايكسبها قدرة على جمع أموال عبر ضرائبها المفروضة على السكان، ما يتيح لها أن تبقى في مناطق قليلة تختارها الحركة بعناية في حال هزمت في المناطق الوسطى من البلاد، وإمكانية لجوئها إلى الأحراش والمناطق المأهولة بالغابات، سيما في الجيوب المتأخمة مع الحدود الكينية، وهو ما يجعلها في وضعية انتظار لعودة قادمة، إذا بقيت ضعيفة القوى ولم تتعرض لتعقب مستمر من الجيش الصومالي في تلك المناطق.

ثالثاً : التفاوض مع حركة الشباب : يبدو خيار دخول مفاوضات مع حركة الشباب بعد إضغافها أمراً وارداً في المرحلة القادمة من الصراع على حركة الشباب، فصرح الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في تصريح تلفزيوني سابق، أن المفاوضات ممكنة مع الحركة خاصة العناصر المحلية والتخلص من الأجانب الذي يمثلون قوة ادارية ورئيسة للحركة، ولهذا من المحتمل أن اضعاف حركة الشباب يمكن أن يمهد الطريق لمفاوضات مع الحكومة الفيدرالية من أجل التوصل إلى تسوية شاملة للقضاء على تمرد اسلاميي السلفية الجهادية في القرن الأفريقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى